تقرير: مسح غزة خطوة بخطوة.. هذه إستراتيجية "إسرائيل" هناك

غزة -PNN- منذ أكتوبر 2023، تحولت غزة بفعل حملة متواصلة من التدمير والتهجير الجماعي، إلى مكان أصبحت فيه الدمار السمة المميزة للحياة اليومية.

وتفيد الوكالات الإنسانية أن ما يقارب كامل سكان القطاع، أي حوالي 1.9 مليون شخص، قد نزحوا مرة واحدة على الأقل، بينما تواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية إطلاق موجات جديدة من أوامر الإخلاء والنزوح الداخلي.

وبحسب تقرير أعده موقع "كاونتر كارانت" الهندي الإخباري أن الضرورة العسكرية لا تفسر وحدها استمرار واتساع نطاق التهجير، بل المنطق السياسي أيضًا، حيث تكشف تحقيقات هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية عن نمط ثابت يتمثل في غارات جوية وتوغلات برية منسقة مع أوامر إخلاء جماعي، مقرونة بعرقلة متعمدة لوصول المساعدات الإنسانية، حيث أن هذه الإجراءات مجتمعة تُجبر قطاعات واسعة من السكان على النزوح.

وجاء في التقرير أن استهداف مدينة غزة والمستشفيات والأحياء هو جزء من خطة أوسع للتعامل مع ما يسميه اليمين الإسرائيلي المتطرف (المشكلة الفلسطينية)، حيث أن التهجير القسري ليس نتيجة جانبية، بل أداة منهجية للتحكم بمن يبقى ومن يُطرد."

كما أن إسرائيل تستخدم التدمير والإخلاء القسري ليس فقط كتكتيكات حرب، بل كوسيلة لإعادة رسم الخريطة السكانية لغزة. وحتى لو انتهى القتال، فإن إنشاء مناطق عازلة سيمنع عودة حقيقية.

منطقة المواصي جنوب القطاع والذي يُصوَّر دوليًا كملجأ إنساني، أصبح في الواقع أداة للاحتواء. فوالمخيمات والعيادات مثقلة فوق طاقتها، كما أن البنية التحتية انهارت، المياه نادرة، والمستشفيات تعمل بما يتجاوز قدرتها، فيما تحذر وكالات الأمم المتحدة من أن منطقة الجنوب لا يمكنها تحمل هذا العبء السكاني، وبالنسبة لكثير من أهالي القطاع، فإن المواصي تعد منطقة احتجاز مقيدة.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه يقوم بإصلاح ما تبقى من مستشفى الأوروبي في جنوب غزة، وزعم أن ذلك "بادرة إنسانية". لكن إدارة المستشفى قالت إن إسرائيل سمحت بإصلاحات محدودة فقط، بعيدة عن إعادة تشغيل المستشفى بالكامل.

كما أن المستشفى يقع في منطقة حمراء يُحظر على الأهالي الوصول إليها، فيما يخشى كثيرون أن يكون الهدف من ذلك استراتيجي، أي استخدام المستشفى كطُعم لدفع المهجرين من شمال ووسط غزة إلى الجنوب، حيث يواجهون خطر الحشر فيما يعتبره الكثيرون معسكر اعتقال.

وتقول ليما بستامي، مديرة الوحدة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الإعلان الإسرائيلي "يجب فهمه في سياقه الأوسع: كجزء من خطة معلنة لتهجير سكان مدينة غزة والشمال قسرًا نحو الجنوب، تمهيدًا للاستيلاء الكامل على المدينة وتحويلها إلى أنقاض."

وبهذا تتحول المرافق الطبية من أدوات لحماية الصحة العامة إلى أدوات لترسيخ التهجير القسري، لتصبح جزءًا من آلة الإبادة الأوسع. التركيز على إصلاحات سطحية محدودة لمستشفى واحد مثل الأوروبي يخدم في المقام الأول الدعاية، ما يسمح لـ"إسرائيل" بإعادة تلميع صورتها أمام الرأي العالمي بينما تواصل تدمير منظومة الصحة في غزة.

وتقول بستامي:"ما يتم هندسته الآن ـ حصر الفلسطينيين في مناطق غير قابلة للحياة وتحت سيطرة عسكرية، وحرمانهم من الغذاء والصحة وحرية التنقل ـ يرقى إلى الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي. إنه فرض متعمد لظروف تهدف إلى تدمير شعب، كليًا أو جزئيًا."

وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على حظر النقل القسري للمدنيين إلا في ظروف إنسانية ضيقة، وهي ظروف غير موجودة في غزة. وعندما يُضاف إلى ذلك أدلة على سياسات التجويع، ومصادرة الممتلكات، وعسكرة المرافق الطبية، فإن هذه الأفعال تشكل جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية.

ويشير التقرير إلى أن الخطاب الدولي يسهم في تضخيم وتطبيع مشروع التهجير، فمقترحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة توطين الفلسطينيين في الخارج وتحويل غزة إلى "مركز للذكاء الاصطناعي" تجسد خطابًا مقلقًا يتضمن نزع الملكية من شعب وعلى أن خطته عبارة عن مشروع تطويري".

وقالت بتسامي: "عندما تناقش القوى العالمية غزة كأرض فارغة للاستثمار، فإنها تمحو الفلسطينيين كفاعل سياسي وتحول إزاحتهم إلى فرصة اقتصادية."

وتضيف أن القانون الدولي يجرّم إنشاء أحياء مغلقة أو معسكرات لعزل مجموعة عرقية، مشيرةً إلى أن اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973 تحظر صراحة إنشاء المحميات أو الغيتوهات لعزل جماعة إثنية، وتعتبر ذلك جريمة فصل عنصري."

هذه الرؤى مجتمعة توضح كيف يلتقي التهجير المحلي مع الخطاب العالمي لتبرير وتطبيع وتحفيز إزالة الفلسطينيين، وتصويرها كأمر سياسي واقتصادي حتمي بدلًا من اعتبارها كارثة إنسانية.

أحدث الاخبار