مشاركة العرب في سوق العمل في ظل الحرب

بدأت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي (29 تموز) بنشر أجزاء من المسح الإحصائي السنوي لعام 2024. ومن المعطيات التي نُشرت حتى الآن، يمكن تكوين صورة أولية عن الأوضاع الاقتصادية للمجتمع العربي خلال عام 2024، وذلك بالمقارنة مع معطيات المجتمع الإسرائيلي، وبالمقارنة مع السنوات السابقة. ويُعدّ هذا العام عامًا استثنائيًا، إذ شهد اتساع حرب الإبادة على قطاع غزة، والحرب مع حزب الله، وتصاعد مظاهر العنصرية تجاه الفلسطينيين داخل إسرائيل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المعطيات المنشورة حتى الآن لا تزال جزئية ولا تغطي جميع الجوانب.

من الجوانب المركزية في تقصّي الحالة الاقتصادية للمجتمع العربي هي معطيات المشاركة في سوق العمل، سواء على مستوى المجتمع ككل أو وفق التقسيم بين الرجال والنساء. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومات الإسرائيلية، منذ إطلاق الخطة 922 عام 2015 ولاحقًا الخطة 550 عام 2021، تدّعي أنها تسعى إلى رفع معدلات مشاركة المجتمع العربي في سوق العمل، مع تركيز خاص على النساء العربيات وفئة الشباب. وتؤكد هذه الحكومات أن هذه السياسات تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع العربي، بما يعود – في نهاية المطاف – بالفائدة على الاقتصاد الإسرائيلي ككل.

تقلّص الفروقات

تُظهر معطيات مشاركة المجتمع العربي في سوق العمل لعام 2024، ومقارنتها مع السنوات السابقة ومع مشاركة المجتمع اليهودي، أنّه في ظل الحرب ورغم الخطط الحكومية لتطوير الاقتصاد العربي، ما زالت الفجوات قائمة بين المجتمع العربي واليهودي. إلا أنّ هذه الفجوة تراجعت. فقد بلغت نسبة المشاركة العامة للمجتمع العربي (فوق سن 15 عامًا) نحو 49.8% مقابل 65.6% في المجتمع اليهودي، أي بفارق يقارب 16 نقطة. وهو فارق مشابه لما سُجّل في عام 2023، حيث بلغت نسبة المشاركة لدى العرب 50.6% مقابل 66.3% لدى اليهود.

مع ذلك، فإنّ هذا الفارق أقل مما كان عليه في سنوات سابقة: قبل أزمة كورونا عام 2019 بلغ الفارق نحو 22.7 نقطة، وبعد الأزمة في عام 2022 وصل إلى 19.6 نقطة. هذه المعطيات تُشير إلى وجود تحسّن نسبي في معدلات المشاركة العربية. ويُعزى ذلك، وفق تقديرات أولية، إلى تأثيرات الحرب على سوق العمل في إسرائيل وعلى الأوضاع الاقتصادية.

أصبح مستوى مشاركة المجتمع العربي في سوق العمل عام 2024 أعلى مما كان عليه في عامي 2019 و2022، في حين ما تزال معدلات المشاركة في المجتمع الإسرائيلي أدنى قليلًا من مستواها في عام 2022. ويمكن تفسير هذا التغيّر في ضوء الحرب على غزة ولبنان، وما رافقها من إغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام العمال الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1967، إلى جانب تراجع أعداد العمال الأجانب. وقد أدّت هذه التطورات إلى زيادة الطلب على اليد العاملة المحلية، وخصوصًا في الفروع الاقتصادية التقليدية مثل البناء، البنى التحتية، والصناعة.

تُوضح مقارنة معطيات مشاركة الرجال والنساء في سوق العمل تأثير الحرب على معدلات المشاركة. فقد ارتفعت مشاركة الرجال العرب في العامين الأخيرين من نحو 60.5% (في عامي 2019 و2022) إلى 64.3% عام 2023، ثم انخفضت قليلًا إلى 62.7% عام 2024. ونتيجة لذلك، تقلّص الفارق بين معدلات مشاركة الرجال العرب واليهود إلى نحو 3.8 نقاط فقط، بعد أن كان يقارب 9 نقاط عام 2019 وقرابة 7 نقاط عام 2022.

مشاركة الرجال في أسواق العمل

كذلك سُجّل ارتفاع ملحوظ في نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي انعكس في تراجع الفجوة بين معدلات مشاركة النساء العربيات واليهوديات. ففي عام 2019 بلغت نسبة مشاركة النساء العربيات نحو 30%، لترتفع إلى 33.7% عام 2022، وتقترب من 37% في العامين الأخيرين. في المقابل، شهدت نسبة مشاركة النساء اليهوديات تراجعًا طفيفًا خلال الفترة نفسها، إذ انخفضت من 66.1% عام 2019 إلى نحو 64.7% عام 2024. وبينما بلغ الفارق بين معدلات مشاركة النساء العربيات واليهوديات نحو 36 نقطة عام 2019، وتراجع إلى قرابة 32 نقطة عام 2022، فقد واصل انخفاضه ليصل إلى حوالي 28 نقطة عام 2024.

مشاركة النساء في أسواق العمل

أسباب الارتفاع

تُظهر المعطيات أن التغيّرات في معدلات مشاركة الرجال والنساء العرب في سوق العمل خلال العامين الأخيرين تعود إلى مصادر متباينة، وترتبط بديناميات مختلفة في أسواق العمل. ففيما يتعلّق بالرجال، تُظهر بيانات دائرة الإحصاء أنّ ارتفاع نسبة مشاركتهم ارتبط بازدياد حضورهم في الفروع الاقتصادية التقليدية مثل البناء والصناعة والزراعة، وبشكل خاص في المهن المهنية وغير المهنية، نتيجة لارتفاع الطلب في سوق العمل الإسرائيلي.

فقد ارتفعت حصة قطاع البناء من مجمل مشاركة الرجال العرب في أسواق العمل من 22.6% عام 2022 إلى 23.8% عام 2024. كما سُجّل ارتفاع في مشاركتهم في الزراعة بعد سنوات طويلة من التراجع، إذ ارتفعت نسبتهم من 1.5% عام 2022 إلى 2% عام 2024. كذلك، عند متابعة المشاركة وفق المهن، يتضح أن حصة الرجال العرب العاملين كعمّال مهنيين وغير مهنيين في البناء والصناعة والزراعة ارتفعت من 56% عام 2022 إلى 57.2% عام 2024.

وبناءً على ذلك، يمكن الاستنتاج أن الرجال العرب استجابوا لزيادة الطلب على اليد العاملة الماهرة وغير الماهرة في فروع محددة في سوق العمل الإسرائيلي نتيجة ظروف الحرب، ما أدى إلى ارتفاع مشاركتهم في هذه الفروع.

أمّا الارتفاع في مشاركة النساء العربيات فقد كان مصدره الأساسي زيادة الطلب على اليد العاملة النسوية داخل الاقتصاد العربي المحلي – في البلدات العربية خصوصًا. وقد تمركز هذا الارتفاع في مهن ذات مكانة متدنية اقتصاديًا، وتُعدّ تقليديًا "فروعًا مؤنثة". وتُظهر مقارنة توزيع مشاركة النساء وفق المهن بين عامي 2022 و2024 ما يلي:

- تراجع نسبة العاملات في فرع "المديرات" من 1.4% إلى 0.9% من مجمل المشاركات في أسواق العمل.

- تراجع نسبة الأكاديميات من 35.1% إلى 33.2%.

- ارتفاع نسبة العاملات في مجال "الموظفات، الإداريات العامة، وعاملات المكاتب" من 7.8% إلى 9.9%.

- ارتفاع نسبة العاملات في مجال الخدمات والمبيعات من 32.2% إلى 34.4%.

- ارتفاع نسبة العاملات في المهن المهنية في الصناعة والزراعة من 2.6% إلى 3.0%.

- تراجع نسبة العاملات غير المهنيات من 12.4% إلى 10.8%.

اللافت أنّ الارتفاع في مشاركة النساء جاء في مهن وقطاعات اقتصادية تتمركز داخل البلدات العربية، حيث المنافسة مع النساء اليهوديات محدودة للغاية، وجاء في قطاعات لا تُفضي إلى تغيير جوهري في المكانة الاقتصادية والاجتماعية للنساء العربيات. ويُلاحظ أن حصة المهن ذات المكانة المرتفعة، مثل المهن الأكاديمية والمناصب الإدارية، قد تراجعت نتيجة توسّع مشاركة النساء العربيات في أسواق العمل

أحدث الاخبار