بينما تتجه الأنظار نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يبرز سؤال منطقي : أين موقع الضفة الغربية في هذا الاتفاق ؟ وما الذي يعنيه ذلك وفق ما جاء في خطة ترامب؟
كنت قد طرحت سابقا تساؤلاً عمّا إذا كان وقف إطلاق النار قد يفتح نافذة أمل للفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين يعيشون تبعات الحرب على غزة رغم أنهم بعيدون عن ميادينها. واليوم ، تبدو الإجابة تتكشف تدريجيا مع ما يُسرب من تفاصيل.
الحقيقة أن خطة ترامب اختزلت فلسطين في غزة ما بعد الحرب: إدارة إنسانية، وبرنامج لإعادة الإعمار، ومجلس يُسمى "مجلس السلام"، يرسم مستقبل القطاع كمنطقة تحت وصاية سياسية واقتصادية.
أما الضفة الغربية، فلم تُذكر بشكل مباشر، لكنها ظهرت في الهامش السياسي للخطة عبر ما يُسمى "الأفق المشروط"، أي الدولة الفلسطينية الممكنة عندما "تتوفر الشروط".
بمعنى آخر، يجري التعامل مع الضفة كما لو أنها قضية مؤجلة إلى ما بعد تجربة غزة، فهي ليست جزءا من النص لكنها جزء من الحساب السياسي، ووفق التسريبات التي نشرها موقع Axios، فإن المجلس الموعود سيقود "إصلاحا سياسيا" يشمل الفلسطينيين جميعا، دون أن يمنح الضفة موقعا واضحا في المشهد .
كل ما ورد في الخطة لا يتعدى كونه مخدرا دبلوماسيا لإرضاء العرب وبعض الدول الأوروبية المطالبين بحلّ الدولتين ، فتأثير الصفقة على الضفة لا يحتاج إلى تحليل طويل ، فالوقائع على الأرض تتحدث بوضوح في ظل غياب أي بند في الصفقة يشير إلى مستقبل الضفة أو وضعها القانوني والسياسي.
الفلسطينيون في الضفة الغربية لا يعانون من نقص الغذاء، بل من مجاعة نقدية واقتصادية خانقة، ومن انسداد في الأفق السياسي. ومع ذلك، فإن الأمل يأتي مع الصفقة وما تفرضه الظروف الصعبة فإن القوة الحقيقية اليوم فيما يصنعه الفلسطيني بيديه، في مبادراته الصغيرة، في تمسّكه بأرضه، وفي إصراره على البقاء منتجا لا متلقيا.
قد لا تغير الصفقة الواقع بشكل مباشر أما المواطن فهو قادر على تحويل الصعوبات إلى فرصة لإعادة بناء ذاته ومجتمعه، والمبادرة إلى مشاريع تنموية ومجتمعية صغيرة تعيد للحياة معناها في القرى والمدن والمخيمات.
مثلما في المقابل، تحمل الصفقة للغزيين بعض الأمل في الترميم الإنساني بعد مأساة الحرب ، فإن المطلوب تبني رؤية فلسطينية موحدة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية تبدأ من تعزيز صمود الضفة عبر تنمية اقتصادية متوازنة، وتوسيع فرص العمل، وتحسين الخدمات العامة، بما يحفظ حضور الفلسطيني في أرضه ويمنع تفريغها.
كما ينبغي إعادة ربط غزة والضفة وفق رؤية تكاملية اقتصادية واجتماعية ، وإطلاق برامج دعم للقطاع الخاص والمشاريع المجتمعية لتقليل الاعتماد على المساعدات الطارئة.
فالحجر يمكن أن يُعاد بناؤه، لكن ما يحتاجه الفلسطيني حقا هو أن يُعيد بناء ذاته، وأن يصوغ مستقبله بيده بصفته المهندس، لا المقاول.
و رغم كل ما يثقل الواقع ، تبقى فلسطين قادرة على النهوض ، فالضفة التي تصمد يوميا أمام إجراءات الاحتلال ، ما زالت تنبض بالحياة في تفاصيلها الصغيرة في المدارس التي تفتح أبوابها كل صباح، في المزارعين الذين يفلحون الأرض ويقطفون الزيتون رغم تهديدات المستوطنين ، إنها حياة تتشبث بالأرض كجذور الزيتون.