“حسام زملط… من مخيم رفح إلى ضمير العالم”بقلم : الإعلامي فراس الطيراوي / شيكاغو

في زمنٍ تُرتكب فيه المجازر تحت سمع وبصر العالم، وتُشنّ حرب إبادة معلنة ضد غزة، يبرز اسم الدكتور حسام زملط كأحد أقوى الأصوات الفلسطينية وأكثرها صدقًا وتأثيرًا. إنه ليس مجرد سفير لفلسطين في بريطانيا، بل حالة وطنية ودبلوماسية نادرة، جمعت بين ذاكرة اللجوء والجرح الشخصي والقدرة الإعلامية الفائقة، ليصبح اليوم صوت فلسطين الأبرز في العالم.

ابن سمسم والمخيم

ولد حسام زملط لعائلة فلسطينية هُجّرت من قرية سمسم المحتلة عام 1948، ونشأ في مخيم رفح جنوب قطاع غزة. هذه النشأة جعلت منه شاهدًا حيًا على مأساة النكبة المستمرة. أن تكون ابن مخيم يعني أن تحمل فلسطين في دمك وذاكرتك، وأن يتحول الألم إلى طاقة دافعة ومسؤولية كبرى. وهكذا كان زملط: ابن المخيم الذي حمل رسالة شعبه إلى العالم.

قائد طلابي ومناضل مبكر

في جامعة بيرزيت، لم يكن زملط مجرد طالب، بل برز كـ قائد في الشبيبة الفتحاوية، مشاركًا في صياغة خطاب وطني متجدد ومعبّر عن هموم الشباب. ومن هناك واصل مسيرته داخل حركة فتح حتى أصبح عضوًا في مجلسها الثوري، جامعًا بين النضال التنظيمي والفكر السياسي.

من بيرزيت إلى لندن: رحلة العلم والمعرفة

بعد بيرزيت، حصل على بعثة دراسية إلى بريطانيا، حيث أكمل الماجستير والدكتوراه في لندن. في الغرب، لم يكن مجرد طالب، بل كان صوتًا للقضية الفلسطينية داخل الجامعات ومراكز الأبحاث. كتب وحاضر ونشر، ليصبح مفكرًا استراتيجيًا إلى جانب كونه مناضلًا، جامعًا بين الأصالة والمعرفة العالمية.

واشنطن: صوت لم يُسكت

حين تولى رئاسة البعثة الفلسطينية في واشنطن، واجه إدارة ترامب التي حاولت شطب فلسطين من المشهد السياسي. صوته الصلب ومواقفه الواضحة جعلت الإدارة الأميركية تضيق به ذرعًا، فارتكبت فضيحة دبلوماسية حين أجبرته هو وعائلته على مغادرة واشنطن خلال 24 ساعة، في مخالفة صريحة لكل الأعراف الدولية. لقد طُرد لأنه لم يساوم، لكنه خرج أقوى، ولتبدأ بعدها مرحلة جديدة من حضوره العالمي.

لندن: فلسطين على كل شاشة

في بريطانيا، حوّل زملط السفارة الفلسطينية إلى منبر عالمي. لم يعد مجرد سفير بروتوكولي، بل صار وجه فلسطين في الإعلام الغربي. حضوره في BBC وCNN وسكاي نيوز شكّل حالة استثنائية: يجمع بين قوة المنطق وهدوء الثقة، يرد على الأكاذيب الإسرائيلية بالحجة، ويضع الرأي العام أمام حقيقة واضحة: فلسطين قضية حق، وغزة ساحة إبادة.

حرب غزة: حين يصبح الدبلوماسي شاهدًا وضحية

في حرب الإبادة على غزة، لم يتحدث زملط بصفته سفيرًا فقط، بل بصفته شاهدًا وضحية. فقد خسر أقارب له في المجزرة، فكان صوته مزيجًا من الجرح الشخصي والرسالة الوطنية. تحدث بدموعٍ مكبوتة خلف هدوء الخطاب، ليجعل العالم يرى أن القضية ليست أرقامًا، بل وجوهًا وعائلات وأحلامًا تُباد.

لقد قدّم نموذجًا فريدًا في الإعلام: خطاب يجمع بين العاطفة الصادقة والقوة العقلانية. بهذا الأسلوب أجبر الإعلام الغربي على الإصغاء، وكشف زيف الدعاية الإسرائيلية، وأثبت أن الرواية الفلسطينية قادرة على اختراق جدران الصمت.

شهادة لا تُنسى

ولعل ما يضاعف قيمة هذا الرجل أن شهادات المقربين منه تُجمع على إنسانيته. عرفه الكثيرون عن قرب، كأخ وصديق، متواضعًا رغم مكانته، حازمًا في مواقفه، وفيًا لقضيته. إنه ليس دبلوماسيًا خلف مكتب، بل إنسانًا يشارك أهله الجرح، ويترجمه إلى خطاب عالمي مؤثر.

الخاتمة

إن الدكتور حسام زملط يجسد في شخصه حكاية فلسطين بأكملها: ابن النكبة والمخيم، القائد الطلابي، الأكاديمي المفكر، الدبلوماسي الصامد، والإعلامي المبدع. في زمن يُحاصر فيه الصوت الفلسطيني، تحوّل هو إلى ضمير فلسطين أمام العالم.

من مخيم رفح إلى منابر السياسة والإعلام العالمية، أثبت زملط أن الفلسطيني لا يُكسر، وأن الكلمة قد تكون أبلغ من السلاح. إنه اليوم صوتٌ لا يمثل نفسه، بل يمثل شعبًا بأسره يرفض أن يُباد أو يُمحى.
إنه بكل اختصار: من مخيم رفح إلى ضمير العالم.

الكاتب *ناشط وكاتب عربي فلسطيني عضو الأمانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام.

أحدث الاخبار