أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم الأحد، النتائج الرئيسة والأولية لاستطلاع الرأي الذي نُفّذ في سورية بالتعاون مع المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة، وهو جزء من استطلاعات المؤشر العربي لعام 2025. ونُفّذ الاستطلاع على عيّنة حجمها 3690 من المستجيبين والمستجيبات. وبحسب المركز، فقد جرى تنفيذ استطلاع الرأي على عيّنة طبقية عنقودية متعددة المراحل، وممثلة للمجتمع السوري بمحافظاته وتكويناتها الاجتماعية والاقتصادية كافة.
وبلغ مستوى الثقة بالعينة 98%، بهامش خطأ يراوح بين ± 2 و3%. ونُفّذ العمل الميداني خلال 25 يومًا في الفترة 25 يوليو/تموز الماضي وحتى 17 أغسطس/آب الحالي. وعمل على تنفيذ استطلاع الرأي أكثر من 100 من المشاركين والمشاركات، واستغرق أكثر من 78 ألف ساعة عمل.
ويعتبر الاستطلاع الأول من نوعه في تاريخ سورية من ناحية حجم العيّنة وتغطية جميع المحافظات وتضمّنه أكثر من 420 سؤالًا، تناولت موضوعات مهمة وذات راهنية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وموضوعات الاندماج الاجتماعي والوطني. وسيكون مصدرًا مهمًّا لصنّاع السياسات في سورية والمجتمع الأكاديمي السوري، إضافة إلى أهميته ليكون مصدر معلومات للمؤسسات البحثية العربية والدولية.
وأظهرت النتائج أن الرأي العام السوري، بصفة عامة، يحدوه الأمل والتفاؤل بشأن الأوضاع في سورية عمومًا؛ إذ أفاد 56% من المستجيبين أن الأمور في سورية تسير في الاتجاه الصحيح، في حين كانت نسبة الذين قالوا إنها تسير في الاتجاه الخاطئ 25% فقط. وركز المستجيبون الذين أفادوا أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح على العديد من الأسباب في تقييمهم: منها زوال حكم النظام السابق وتحرير سورية، وتحرير المعتقلين والسجناء، إضافة إلى تحسّن في الأوضاع الأمنية، والاتجاه نحو الاستقرار، ورفع العقوبات.
وعبّر ما نسبته 80-94% من السوريين عن أنهم يشعرون بالأمل والبهجة والسعادة والارتياح لسقوط نظام بشار الأسد، في حين كانت نسبة الذين عبّروا عن مشاعر قلق أو عدم يقين منذ رحيل النظام السابق أقل من ذلك، وبنسب تراوح حول 80%. وأفاد 57% بأن الوضع السياسي في سورية جيّدٌ جدًا أو جيّد، بينما كانت النسبة 56% بالنسبة إلى تقييم الوضع الأمني. إلا أن الأغلبية قيَّمت الوضع الاقتصادي بسلبية (سيئ، أو سيئ جدًا).
تقييم المستجيبين للأوضاع العامة في سورية
منذ سقوط نظام بشار الأسد حتى هذه اللحظة، إلى أي مدى تشعر بـ..؟
وأورد السوريون العديد من القضايا التي اعتبروها أهم مشكلة تواجه بلادهم اليوم. ومن اللافت للانتباه أن القضايا السياسية والأمنية تصدرت أولوياتهم؛ إذ أفاد 51% من المستجيبين بأن أهم المشكلات التي تواجه البلاد اليوم مرتبطة بخطر تقسيم سورية، أو عدم الاستقرار، أو تدخلات خارجية، أو توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية، أو غياب الأمن والأمان. ويرغب 27% من السوريين في الهجرة من سورية، وقد عزا 40% منهم رغبتهم في الهجرة إلى أسباب اقتصادية، و35% منهم عزوا ذلك إلى أسباب أمنية. وعند سؤال المستجيبين عن أوضاع أسرهم الاقتصادية، أفاد 42% بأنّ أسرهم تعيش في حالة حاجة وعوز؛ حيث إن دخلهم لا يكفي لتغطية حاجاتهم الأساسية، وقال 43% إنهم يعيشون في حالة كفاف، مقابل 11% قالوا إنهم في حالة وفر. وأفادت أغلبية الأُسر التي تعيش عوزًا بأنها تعتمد على الاستدانة والمعونات من المعارف في سد حاجاتها الأساسية. وقال نحو 61% من المستجيبين إنهم نادرًا ما يأكلون اللحم، أو إن ذلك يكون أقل من مرة واحدة في الأسبوع. فيما أفاد 36 بأن أسرهم تعتمد على تحويلات مالية من الخارج، سواء كانت منتظمة أو غير منتظمة.
تقييم مؤسسات الدول وأداء الحكومات
أفاد ما نسبتهم 80% من السوريين بأنهم يهتمون بالشؤون السياسية بدرجات متفاوتة، في حين أفاد 18% بأنهم غير مهتمين على الإطلاق. وأفادت أغلبية المستجيبين، بنسبة تراوح بين 54% و57%، بأنها تثق بمؤسسات الدولة الرسمية من حكومةٍ، وأمنٍ عامّ، ودفاع، ومحافظين، في وقت أفاد فيه 47% من الرأي العام بأن الحكومة تطبق القانون بالتساوي بين المواطنين، بينما رأى 30% من المستجيبين أنّها تطبّق القانون، ولكنها تحابي بعض الفئات؛ أي إنها تميّز لمصلحتها، ورأى 12% أنّها لا تطبق القانون بالتساوي على الإطلاق. ويعتقد 61% من المستجيبين أن السياسات الخارجية بالنسبة إلى الحكومة الحالية تعبّر عن تطلعات الشعب السوري، مقابل 25% قالوا إنها لا تعبر عن تطلعاتهم. وبنسبة مشابهة، أفاد 59% من السوريين بأنّ سياسات الحكومة الاقتصادية تعبّر عن تطلعاتهم، مقابل 31% أفادوا عكس ذلك.
وأفادت أغلبية المستجيبين بنسبة تزيد على 50% بنجاح الحكومة في التعامل مع بعض المهمات الرئيسية مثل: الجرائم، وحماية الأملاك الخاصة بالناس، ومكافحة السرقات، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وفض الخلافات والنزاعات بين الناس. في حين اعتبر أقل من 50% من المستجيبين أنها نجحت في أداء مهمات رئيسة أخرى مثل: البطالة، ومحاربة الخطاب الطائفي، والعمل على إخراج إسرائيل من الأراضي التي احتلتها منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وضبط الأسعار.
وعلى صعيد الأداء الحكومي في مهمات تتعلق بالتعددية السياسية، وحقوق الإنسان، وضمان الحريات، توافق أكثر من نصف المستجيبين على أن الحكومة نجحت في مجالات احترام حقوق الإنسان، وتشجيع مشاركة المواطنين في حوارات سياسية، وضمان حرية التعبير، وضمان حق التجمع، بينما عبرت الأكثرية عن عدم نجاح الحكومة في مجالات أخرى مثل ضمان التعددية السياسية، وإنهاء التمييز بين المواطنين، وتطبيق مبدأ المحاسبة لكبار مسؤولي الحكومة. وعبّر أكثر من نصف المستجيبين عن أن المواد الغذائية الأساسية متوفرة على نحو جيد، في حين رأى نحو نصف المستجيبين بأن الوقود متوفر. وأفاد نحو 30% أن توفر المياه جيد، وقال 25% إن الكهرباء في مكان السكن متوفرة على نحو جيد.
ووفق المركز، فإن الرأي العام السوري مُجمع، إلى حدّ بعيد، على أنّ الفساد المالي والإداري منتشر في سورية؛ إذ أفاد 89% من المستجيبين أنّه منتشر بدرجات متفاوتة، بينما أفاد 7% أنّه غير منتشرٍ على الإطلاق. وثمة أهمية للإشارة إلى أن 56% من المستجيبين يعتقدون أن انتشار الفساد المالي والإداري أصبح أقل مما كان عليه قبل 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
أما على صعيد النقاش حول العدالة الانتقالية، فقد توافق 65% على أن العدالة الانتقالية يجب أن تشمل أي شخص تورط في جرائم حرب، حتى لو كان من المعارضة أو الفصائل المسلحة، في حين رأى 25% من المستجيبين أن العدالة الانتقالية يجب أن تشمل شخوص النظام السابق المتورطين في أعمال إجرامية.
الموقف من الديمقراطية
تتفق أكثرية الرأي العام السوري على الإنحياز إلى النظام الديمقراطي، حيث إن أكثرية المستجيبين رفضت مجموعة من المقولات السلبية التي يثيرها عادة خصوم النظام الديمقراطي. فالأغلبية ترى أن "النظام الديمقراطي لا يتعارض مع الإسلام"، وترفض مقولة أن الأداء الاقتصادي يسير بشكل سيء في النظام الديمقراطي، وترفض أيضًا مقولة "الأنظمة الديمقراطية غير جيدة في الحفاظ على النظام العام". في المقابل توافق 60% من السوريين على أنّ النظام الديمقراطي، وإن كانت له مشكلاته، فهو أفضل من غيره من الأنظمة، مقابل 20% عارضوا ذلك. وعلى نحوٍ متسق، أكد ما نسبته 61% أن النظام الأفضل للحكم في سورية اليوم هو النظام الديمقراطي. في حين بلغت نسبة تأييد أنظمة الحكم الأخرى أقل من 10 لكل منها. وأفاد 53% من المستجيبين بأنهم يقبلون استلام السلطة من حزب سياسي لا يتّفقون معه، إذا حصل على عدد أصوات يؤهّله لذلك ضمن انتخابات حرّة ونزيهة. ويؤيد الرأي العام السوري تأسيس أحزاب سياسية في سورية، وكذلك تيارات سياسية وطنية سورية وتيارات إسلامية. كما أيدت الكتلة الأكبر من المستجيبين وجود تيارات قومية عربية وتيارات ليبرالية مدنية.
اتجاهات الرأي العامّ السوري نحو أي الأنظمة السياسية هو الأفضل لأن يكون النظام الأفضل لسورية
هل تؤيد أو تعارض وجود التيارات التالية في سورية؟
قضايا الاندماج المجتمعي والهوية الوطنية
يعتقد 64% من المستجيبين أن الشعب السوري نجح عبر السنين بدرجات متفاوتة في الانصهار في بوتقة الأسرة الواحدة، مقابل 12% قالوا إنه لم يحصل انصهار على الإطلاق. فيما يرى 19% من المستجيبين أن أهم عامل يشكّل الهوية الوطنية السورية هو "الثقافة السورية المشتركة"، ثم العوامل التالية: اللغة العربية بنسبة 17%، و10% العيش على الأرض السورية، و9% التنوع المجتمعي والثقافي، و8% الدين الإسلامي. وأفاد 85% من المستجيبين أن "خطاب الطائفية" منتشر في البلاد، ويعتقد 84% من المستجيبين أن الناس هذه الأيام يصنفون أنفسهم والآخرين على أساس مذهبي وديني في سورية. في وقت يعتقد فيه 83% من المستجيبين أن التمييز بين الناس على أساس مذاهبهم ودياناتهم منتشر في البلاد.
ووافق 67% من المستجيبين على عبارة "لا يحق لأحد أن يشكك في وطنية أي فرد من أفراد المجتمع أو انتمائه إلى الوطن لأنه معارض لسياسات الحكومة".
ويعتقد 41% من المستجيبين أن التوتر بين المواطنين بحسب المذهب أو الدين هو نتيجة تدخلات جهات خارجية، مقابل 36% يرون أن التوتر هو نتاج غياب المواطنة والتسامح، في حين يفسر السوريون التوتر الطائفي والإثني في منطقتنا العربية بالعديد من العوامل؛ إذ يقول 24% إنه نتيجة لتدخل قوى خارجية، ويذهب 22% إلى أنه بسبب سلوك المجتمعات والناس تجاه بعضهم بعضًا، ويقول 18% إنه نتيجة لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتقد 7% أنه راجع إلى سلوك الأنظمة الحاكمة.
وأيد 44% من المستجيبين عبارة "إن النظام السابق اعتمد على الأشخاص الذين يثق بهم وبولائهم بغض النظر عن طوائفهم". وعلى الرغم من أن السوريين أقروا بوجود خطاب طائفي، فإن 66% من منهم قالوا إنه لا يوجد لديهم فرق في التعامل مع الآخرين بغض النظر عن طائفتهم أو دياناتهم، بينما فضل 25% من المستجيبين التعامل مع أشخاص من الطائفة نفسها، وتوافق السوريون وبنسب 66% - 78% على أنهم لا يمانعون أن يكون جيرانهم من ديانات وطوائف وإثنيات أخرى؛ وهو ما يعبر عن رفض أشكال التمييز.
تصورات الرأي العامّ عن سكان الوطن العربي
توافق الرأي العام السوري وبنسبة 75% على أن سكان العالم العربي يمثلون أمة واحدة، حيث أفادوا بأن سكان العالم العربي اما أمة واحدة ذات سمات واحدة وإن كانت تفصل بينهم حدود مصطنعة، وإما أمة واحدة مع تمايز كل شعب من شعوبها بسمات خاصة مختلفة، مقابل 16% قالوا إنهم يمثلون شعوبًا وأممًا مختلفة تربطها روابط ضعيفة. ويرى السوريون أن إسرائيل هي الأكثر تهديدًا لأمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها وبنسبة 78%. وتوافق أغلبية السوريين وبنسبة 58% على أن إسرائيل هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربي. ويرى 55% من المستجيبين أن إسرائيل هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن سورية واستقرارها، تليها إيران بنسبة 14%.
هل تعتقد أن السياسات الراهنة لبعض القوى الدولية والإقليمية تهدد أمن المنطقة واستقرارها؟
القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي
يرى 69% من المستجيبين أن القضية الفلسطينية هي "قضية جميع العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم"، مقابل 15% قالوا إنها قضية الفلسطينيين وحدهم. ويرفض 74% من السوريين الاعتراف بإسرائيل، مقابل 17% أيدوا ذلك. وأورد المستجيبون المعارضون للاعتراف بإسرائيل العديد من الأسباب لرفضهم مثل "لأنها دولة استعمار واحتلال واستيطان في فلسطين" وأنها "دولة توسعية تسعى للهيمنة أو احتلال بلدان في العالم العربي وثرواته"، وأنها دولة عنصرية ضد العرب، وبسبب احتلالها للجولان، ولقيامها بتشتيت الفلسطينيين واستمرارها في اضطهادهم وقتلهم، وتحرمهم من حقهم في تقرير المصير والحرية. في وقت عارض فيه 70% من المستجيبين عقد اتفاق مع إسرائيل من دون عودة الجولان السورية. ويرى 74% من السوريين أن إسرائيل "تقوم بالعمل على دعم بعض الفئات في المجتمع السوري من أجل تغذية النزاعات الانفصالية وتهديد وحدة التراب السوري". ورأى 88% منهم أن إسرائيل "تعمل على تهديد الأمن والاستقرار في سورية". وأفاد 74% من السوريين بأنهم يتابعون الحرب الإسرائيلية على غزة. وتعتبر هذه نسبة مرتفعة في ظل التداعيات التي تعيشها سورية، وقد أورد المستجيبون عدة أسباب لاستمرار الحرب على غزة منها "الدعم العسكري والسياسي الأميركي"، "وعدم مساندة البلدان العربية لغزة".
دور الدّين في الحياة العامّة والحياة السياسية
عرّف 10% من المستجيبين أنفسهم بقولهم إنهم "متدينون جدًا"، مقابل 57% قالوا "إنهم متدينون إلى حد ما"، بينما عبر 21% بأنهم غير متدينين. وهذه نسب مرتفعة في اتجاهات الرأي العام العربي. ورأى 59% من المستجيبين أن الشرط الأهم لاعتبار الشخص متدينًا هو سمات أخلاقية و سلوكيات ايجابية، مقابل 31% قالوا إن التدين مرتبط بإقامة الفرائض والعبادات. ووافق 15% من المستجيبين على عبارة "إنّ كلّ شخص غير متديّن هو بالتأكيد شخص سيّئ"، مقابل معارضة 75% لها.
أفاد 58 % من المستجيبين أنهم لا يفرقون في التعامل مع متدينين أو غير متدينين، مقابل 21% يفضلون التعامل مع المتدينين، و15% يفضلون التعامل مع غير المتدينين. ورأى 57% من المستجيبين أنه "من الأفضل للبلد أن يتم فصل الدّين عن السياسة"، مقابل 30% قالوا إنه لا يجب فصل الدين عن السياسة.
التفاعل في المجال الافتراضي
أفاد 78% من السوريين أنهم يستخدمون الإنترنت بـدرجات متفاوتة. ولدى 98% من إجمالي مستخدمي الإنترنت حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. وذكر 70% من إجمالي مستخدمي الإنترنت، إنهم يستعملونه للتعبير عن أحداث سياسية جارية، و67% من أجل التفاعل مع قضية سياسية. وتوافق 79% من السوريين على أنه على الرغم مما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها وسائل جيدة، لأنها تتيح للناس التعبير عن آرائهم. فيما توافق وبدرجات متفاوتة نحو 78% من السوريين على أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مكانًا لترويج خطاب طائفي. وتوافق 80% على أنها مكان لاختراع الأخبار المزيفة عن الآخرين.
وتوافق وبدرجات متفاوتة 76% من المستجيبين على أنه يمكنهم نشر محتوى على وسائل التواصل ينتقد الحكومة من دون خوف من العواقب.