عيّن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، وزير القوات المسلّحة، سيباستيان لوكورنو، اليميني الموالي له، رئيسا للوزراء، غداة سقوط حكومة فرنسوا بايرو، وعشية تحرّك احتجاجي على مستوى البلاد.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
بذلك أصبح لوكورنو سابع رئيس للوزراء في عهد ماكرون، والخامس منذ بداية ولايته الثانية في العام 2022. وهذا الأمر غير مسبوق في نظام الجمهورية الخامسة الذي أُعلن في 1958 والذي عُرف لفترة طويلة باستقراره.
لكن هذا النظام يشهد أزمة غير مسبوقة منذ حل الجمعية الوطنية في حزيران/ يونيو 2024، في تدبير استدعى إجراء انتخابات عامة لم تفض إلى تشكيل غالبية وازنة.
وقالت الرئاسة الفرنسية، إن ماكرون كلف لوكورنو في البداية بالتشاور مع الأحزاب بهدف التوصل إلى "الاتفاقات الضرورية للقرارات التي ستتخذ في الأشهر المقبلة"، قبل تشكيل حكومة جديدة.
وشكر لوكورنو الرئيس ماكرون على ثقته، وأشاد ببايرو "لشجاعته في الدفاع عن قناعاته حتى النهاية".
وأضاف "لقد أوكل إليّ رئيس الجمهورية مهمة تشكيل حكومة ذات توجه واضح يتمثل في الدفاع عن استقلالنا وقوتنا وخدمة الشعب الفرنسي وتحقيق الاستقرار السياسي والمؤسساتي من أجل وحدة البلاد".
ولوكورنو، البالغ 39 عاما، عضو في الحكومة منذ العام 2017، وارتقى في المناصب والمهام ليتولى حقيبة القوات المسلّحة (الدفاع) في زمن بالغ الحساسية مع اندلاع الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا، وهو موال لماكرون ومقرّب منه.
وكان ماكرون أراد تعيينه رئيسا للوزراء في كانون الأول/ ديسمبر قبل أن يعدل عن ذلك.
وقرّر ماكرون وضع ثقته بشخصية من معسكره، بعد الإقرار بهزيمة المعسكر في الانتخابات التشريعية المبكرة بعد حل الجمعية الوطنية في صيف 2024، وتعيينه ميشال بارنييه رئيسا للوزراء ومن ثم فرنسوا بايرو.
وقالت زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، مارين لوبن، في منشور على منصة "إكس": "يطلق الرئيس الرصاصة الأخيرة لمعسكره الماكروني، محصّنا بمجموعة صغيرة من الأوفياء له".
من جهته، ندّد زعيم اليسار الراديكالي (حزب فرنسا الأبية) جان-لوك ميلانشون، بـ"ملهاة حزينة" وطالب مجددا برحيل ماكرون.
والمعضلة التي يواجهها الرئيس الفرنسي هي نفسها منذ أكثر من عام، ألا وهي إيجاد شخصية قادرة على الصمود أمام جمعية مشرذمة أكثر من أي وقت مضى.
عدم ممانعة الحزب الاشتراكي
والاعتقاد السائد في الإليزيه هو أن الائتلاف الهش الذي تم تأسيسه قبل عام بين معسكر ماكرون واليمين هو الثابت. وقد حضّ الرئيس قادته على "العمل مع الاشتراكيين" من أجل "توسيع" قاعدته.
لكنّه رفض الذهاب إلى حد تعيين زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، رئيسا للوزراء، على الرغم من اقتراحه تشكيل "حكومة يسارية" تسعى للوصول إلى "تسويات".
ولكي تصمد، يتعيّن على الحكومة المقبلة الحصول، على الأقل، على عدم ممانعة من الحزب الاشتراكي، وهو أمر لا بد منه لإقرار ميزانية العام 2026 التي تتضمّن اقتطاعات بـ44 مليار يورو وتسببت بسقوط حكومة بايرو.
وفي هذه الأثناء، تخطّت تكاليف الاقتراض في فرنسا المستويات المسجّلة في إيطاليا التي لطالما صُنّف أداؤها على صعيد الدين ضمن الأضعف أوروبيا، ما يعكس قلق المستثمرين حيال المالية العامة والاستقرار السياسي في البلاد.
وارتفع عائد السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات إلى 3,48%، مقارنة بـ3,47% لتلك الإيطالية. لكن هذه النسبة عادت وتراجعت إلى 3,41% في بورصة باريس عند الإغلاق مع ارتفاع مؤشر كاك 40 بنسبة 0,2%.
وتواجه البلاد استحقاقا أول على مستوى المدينونية، الجمعة، إذ ستصدر وكالة "فيتش" تصنيفها الجديد للدين الفرنسي، علما بأن تصنيف الوكالة الحالي لفرنسا هو إيه إيه سلبي (-AA) مع توقعات سلبية، وقد يؤدي خفضه إلى مطالبة مستثمرين بمعدل عائد أعلى مقابل الاحتفاظ بسندات الحكومة الفرنسية.
تحركات اجتماعية قادمة
وظهر هذا الصيف على مواقع التواصل الاجتماعي حراك جديد تحت شعار "لنشلّ كل شيء"، بدعم من بعض النقابات واليسار الراديكالي، يدعو إلى شلّ البلاد اعتبارا من الأربعاء، وسط أجواء من انعدام الثقة واسع النطاق تجاه ماكرون الذي وصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ توليه الحكم في العام 2017.
وأظهر استطلاع حديث أن حوالى 77% من الفرنسيين غير راضين عنه. وأعلنت وزارة الداخلية أن نحو 80 ألف من عناصر الشرطة والأمن سينشرون الأربعاء في أنحاء البلاد حيث ستنظم مئات الفعاليات والاحتجاجات.
أما المديرية العامة للطيران المدني، فتوقعت حصول اضطرابات وتأخيرات في "كل المطارات الفرنسية".
ومع أن هذه التعبئة تذكّر البعض بحراك "السترات الصفراء" الذي هزّ فرنسا بين عامي 2018 و2019، ما زال من غير المعروف مدى تأثيرها.
وفي السياق نفسه، دعت جميع النقابات العمالية إلى إضراب وتظاهرات في 18 أيلول/سبتمبر.