
ألمانيا ترفض الاعتراف بفلسطين حاليًا ورئيسها السابق ينتقد نتنياهو بشدة
أعلنت الحكومة الألمانية الجمعة، غداة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، أنها “لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطينية في أمد قريب”.
وقالت الحكومة الألمانية في بيان إنها “ما زالت تعتبر الاعتراف بدولة فلسطينية إحدى الخطوات الأخيرة نحو حل الدولتين”، مؤكدةً أن ألمانيا تولي “أهمية قصوى” لأمن إسرائيل.
في ذات السياق وفي تصريحات أثارت جدلا سياسيا، وصف الرئيس الألماني السابق يواخيم غاوك العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بأنها “غير مسؤولة” و”غير متناسبة”، خلال استضافته في برنامج “ماركوس لانتس” على قناة ZDF. وبصوت مرتجف تخللته عاطفة قوية، عبّر غاوك عن صدمته من سياسات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أن هذه الانتقادات تأتي من “تضامن قلبي” عميق مع إسرائيل”، بحسب قوله. تصريحاته، التي وُصفت بأنها “شبه باكية”، ألقت الضوء على انقسامات متزايدة في ألمانيا حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما يضع الحكومة الألمانية أمام اختبار صعب. وتابع الرئيس الألماني السابق “معاناة الأبرياء لا تُبرر”.
نقد غاوك الحاد خلال الحلقة التي بُثت مساء الخميس، تواصل حيث وجه انتقادات مباشرة للحرب الإسرائيلية في غزة، واصفًا إياها بأنها “غير مسؤولة لأنها تفتقر إلى التناسب”. وأوضح: “إن فرض معاناة هائلة على أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء من أجل معاقبة المذنبين أمر غير مقبول”. هذه الكلمات، التي حملت طابعًا أخلاقيًا وقانونيًا، عكست إحباط الرئيس السابق من الدمار الذي خلّفته الحرب في القطاع، حيث أفادت تقارير فلسطينية بمقتل عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف من السكان. غاوك، الذي شغل منصب رئيس ألمانيا بين 2012 و2017، شدد على ارتباطه العاطفي والتاريخي بإسرائيل، مستذكرًا “كارثة المحرقة” التي شكلت وعيه السياسي. لكنه أضاف بحزن واضح: “لهذا السبب أنا مصدوم تمامًا مما تقوم به الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها”. بدا وكأنه يكاد يبكي، قائلًا: “أقول هذا شبه باكٍ”.
وقال منتقدا الحكومة الإسرائيلية: “كان لإسرائيل كل الحق في الرد على الهجوم، لكن هذا الحق لا يبرر الصمت إزاء المعاناة الهائلة التي يعيشها المدنيون في غزة”، حيث أدت العمليات العسكرية إلى تدمير واسع وأزمة إنسانية حادة. وأضاف غاوك: “ألمانيا يجب أن تكون آخر دولة تتخلى عن التضامن مع إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن علينا السكوت أمام كل شيئ يحصل”.
غاوك أشار إلى أن انتقاده يتماشى مع آراء “أناس شرفاء” في العالم وداخل إسرائيل نفسها، الذين يرفضون سياسات الحكومة الحالية، ويأتي متزامنا مع تحرك سياسي ألماني، فقد كشفت مجلة “دير شبيغل” مؤخرًا عن تشكيل مجموعة من حوالي 130 موظفًا شابًا في وزارة الخارجية الألمانية، تحت شعار “مخالف مخلص”، تطالب بموقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل بسبب انتهاكات مزعومة للقانون الدولي في غزة. هؤلاء الموظفون، الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عامًا، يعبرون عن إحباط جيل جديد يرى أن دعم إسرائيل يجب ألا يتعارض مع الالتزامات الدولية.سياسيًا، تكشف التصريحات عن انقسامات حادة.
كما يشهد البرلمان الألماني مناقشات حادة بخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة، فبالرغم من تأكيد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، دافع عن موقف ألمانيا الداعم لإسرائيل، محذرًا من “قلب الحقائق بين الضحية والجاني”. في المقابل، طالبت الكتلة الاشتراكية الديمقراطية (SPD)، بقيادة وزيرة التنمية ريم العبيالي-رادوفان، الحكومة بالانضمام إلى بيان وقّعته 28 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، يدعو إلى وقف فوري للحرب في غزة. لكن الحكومة رفضت الانضمام، مشيرة إلى أن البيان لم يوضح بشكل كافٍ أن هجوم حماس هو السبب الجذري للصراع. بحسب البيان الحكومي، في حين دعت زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني، كاتارينا دروغه، الحكومة الألمانية إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل بسبب نهج الأخيرة في قطاع غزة. وأبدت دروغه في تصريح لشبكة صحف “دويتشلاند” الألمانية الإعلامية، تأييدها لفرض عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وقالت: “كلاهما يدعو علانية إلى العنف ضد المدنيين الفلسطينيين وإلى التهجير، ويدعم البناء غير القانوني للمستوطنات في الضفة الغربية. يتطلب هذا موقفا واضحا من الحكومة الألمانية”.
ويرى مراقبون ألمان أن تصريحات غاوك ليست مجرد رأي شخصي من رئيس سابق، بل تحمل وزنًا رمزيًا في ألمانيا كما أن كلمات الرئيس الألماني السابق قد تكون شرارة لتغيير طال انتظاره، أو على الأقل نقاشًا حيويًا في قلب أوروبا وقد تجد ألمانيا نفسها مضطرة لإعادة تقييم موقفها السياسي خاصة بعد إعلان باريس نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/ أيلول.