في تصعيد خطير يعكس الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني الاستعماري، تتزايد الدعوات داخل الكنيست الإسرائيلي لضم الضفة الغربية ومنطقة الأغوار، في خطوة تمثّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي، ونسفًا فعليًا لما تبقى من آمال لتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية. هذه الخطوة لا تأتي بمعزل عن السياق العام، بل تمثل امتدادًا لنهج الاحتلال القائم على التوسع والاقتلاع والهيمنة.
الضم في الضفة… والإبادة في غزة: وجهان لذات الجريمة
بينما يُطرح مشروع الضم في الضفة والأغوار، تُرتكب في قطاع غزة أبشع أنواع الجرائم الجماعية، في حرب إبادة حقيقية تستهدف الإنسان والحجر والشجر. منذ أشهر والاحتلال يمعن في قصف الأحياء السكنية، وتدمير البنى التحتية، واستهداف المستشفيات والمدارس، وقتل آلاف المدنيين العزّل، في مشهد يعيد إلى الأذهان أكثر لحظات التاريخ الإنساني ظلامًا.
غزة اليوم تدفع ثمن صمودها، وثمن تمسكها بالحق والكرامة. ومع كل شهيد، ومع كل بيت يُقصف، تتجلى الحقيقة الواضحة: المشروع الصهيوني لا يفرّق بين جزء وآخر من فلسطين. فالإبادة في غزة، والضم في الضفة، والتهويد في القدس، جميعها أجزاء من خطة واحدة: شطب القضية الفلسطينية بالكامل.
منظمة التحرير والقيادة الوطنية: مسؤولية مضاعفة في هذه المرحلة
أمام هذه التحديات المصيرية، تبرز الحاجة الماسّة إلى موقف وطني موحَّد، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. فدورها التاريخي في قيادة مسيرة النضال الفلسطيني يمنحها الشرعية والمسؤولية في آنٍ معًا، لتوحيد الصف، وتفعيل آليات المواجهة السياسية والميدانية في مواجهة المشروع الصهيوني.
المطلوب اليوم ليس ردود فعل مؤقتة، بل برنامج كفاحي وطني شامل يستند إلى الثوابت، ويأخذ في الاعتبار تطورات المرحلة، ويقوم على:
• تفعيل كل أشكال المقاومة الشعبية، وتوسيعها لتشمل كل المدن والقرى والمخيمات.
• تصعيد العمل الدبلوماسي والقانوني في المحافل الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه.
• تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز صمود الناس، وخاصة في المناطق المهددة بالضم أو المحاصَرة.
• العمل الجاد نحو استعادة الوحدة الوطنية، باعتبارها صمّام الأمان لأي مشروع نضالي فلسطيني.
ليست الدعوة هنا للمواجهة فقط، بل لبناء رؤية وطنية شاملة تعيد الاعتبار للثوابت، وتُشرك كل القوى والفصائل والمؤسسات في معركة الصمود والتحرر، بعيدًا عن الانقسام والرهانات الفاشلة.
فلسطين في قلب العاصفة… والرهان على شعبها
الاحتلال يظن أن الزمن كفيل بفرض أمر واقع جديد، وأن الضم سيتحوّل إلى واقع دائم، كما حدث في القدس والجولان. لكن ما يجهله، أن الشعب الفلسطيني لا يُقهر، ولا ينسى، ولا يساوم على وطنه. فمن بين الركام في غزة، ومن جبال الضفة، ومن زنازين الأسر، يخرج الصوت ذاته: “لن نركع، ولن نغادر، ولن نعترف بشرعية الاحتلال.”
الخاتمة: معركة المصير تتطلب التماسك والوحدة
المرحلة التي نمر بها من أخطر المراحل التي عرفتها القضية الفلسطينية. لكن في قلب كل خطر تكمن فرصة.
فرصة لإعادة ترتيب الصفوف، وتجديد المشروع الوطني الفلسطيني، وإطلاق مقاومة شاملة، متجذرة في الأرض، حاضرة في الميدان، ومدعومة بوعي جماهيري وتضامن دولي متزايد.
فليُكتب على هذه الأرض كما كُتب في تاريخنا الطويل:
“ما ضاع حق وراءه شعب، وما بُنيت دولة الاحتلال إلا على رمال زائلة.”
*ناشط وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام.