حين تفشل المساومات الصغيرة تولد الفرص الكبرى

لم أكتب عن المشتركة وأهميتها، رغم قناعتي بضرورتها، لأني لم أرغب في رفع التوقعات، وخوفًا من الخيبات التي تليها، خاصة إذا لم تتشكّل بناء على التعلم من أخطاء الماضي.

لكن هذا الأسبوع حدث أمران قد يشكلان فرصة حقيقية لإعادة تشكيل القائمة المشتركة من جديد، وذلك بناء على قراءة للتحولات في الساحة الانتخابية الإسرائيلية والعربية؛ الأول في تصريحات لبيد–بينيت، والثاني تحليل نتائج استطلاع القناة 13.

فكما يبدو، أن يائير لبيد ونفتالي بينيت قد توصّلا، كلٌّ بطريقته، ومن خلال بحوث واستطلاعات أجروها في الأشهر الأخيرة، إلى قناعة واضحة مفادها أن تغيير نتنياهو غير ممكن من دون قائمة عربية مشتركة.

لهذا السبب، أغلقا الباب أمام أي تعاون مستقبلي مع القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس، إدراكًا منهما أن هذا المسار لا يغيّر المعادلة السياسية. فالموحدة، مهما بلغ استعدادها للمرونة، لا تمتلك الوزن الكافي من حيث المقاعد، ولا الشرعية الإسرائيلية لإحداث الفارق المطلوب. حيث يدرك الرجلان، وبحسب ما تسرب من معلومات واستطلاعات، أن جمهورهما اليهودي، حتى داخل ما يسمى بـ"الوسط الإسرائيلي"، لا يريد شركاء عربًا فعليين في الائتلاف والحكم.

المفارقة أن هذا الإقصاء ذاته، هو ما جعل فكرة إعادة إحياء القائمة العربية المشتركة أكثر واقعية ونضجًا من أي وقت مضى. ولو من باب "مُكرَه أخاك لا بطل".

اعتمادًا على أن كل الأحزاب العربية أعلنت هدفًا مشتركًا: إسقاط حكومة نتنياهو. ففعليًا، وبحسب المعطيات، لن يتحقق هذا الهدف بدون إقامة القائمة المشتركة.

وعطفًا على ما تقدم، فإن استطلاع القناة 13 الأخير، الذي أجراه معهدا "مأجار موحوت" و"ستات نت"، قدّم معطًى غير مسبوق:
فإن اتحادًا بين الأحزاب العربية – الجبهة، التغيير، التجمع، والموحدة – يمنح القائمة المشتركة 15 مقعدًا، وربما أكثر، لتصبح القوة الثالثة في الكنيست بعد الليكود وحزب بينيت 2026.

هذه النتيجة ليست رقمًا انتخابيًا فحسب، بل إشارة سياسية كاشفة عن التحولات في المزاج العام داخل المجتمع العربي، وعن احتمال عودة الثقة إذا توفرت الوحدة. ويُستنتج من هذا الرقم ثلاثة أمور واضحة:

أولًا، يُظهر الاستطلاع أن الناخب العربي لم يفقد إيمانه بالعمل السياسي، لكنه فقد الثقة بالأطر المنقسمة. أي إن الوحدة هي مفتاح المشاركة السياسية الكبيرة.

ثانيًا، أن قائمة موحدة بـ15 مقعدًا قادرة على قلب الخارطة السياسية، لأن معسكر نتنياهو ومعارضيه (54 مقابل 51) كلاهما بحاجة إلى الصوت العربي ليحكم.

وثالثًا، أن عودة العرب إلى التأثير لا تعني بالضرورة دخول الحكومة، بل امتلاك موقع متزن وقوة سياسية من خارجها، تفرض معادلة جديدة قائمة على الندية والمصالح المتبادلة، لا على التبعية أو العزلة.

خطاب لبيد وبينيت الأخير، الذي حمل نبرة إقصائية صريحة ومهينة لمصوّتي القائمة الموحدة وللعرب عمومًا، ليس زلة لسان كما قد يبدو، بل انعكاس لقراءة سياسية دقيقة. فاستطلاعاتهما الداخلية تشير إلى أن الأغلبية الساحقة من الناخبين اليهود ترفض أي شراكة مع أحزاب عربية داخل الائتلاف، حتى لو كان براغماتيًا مثل القائمة الموحدة.
لذلك، جاءت تصريحاتهما العدائية كمحاولة لاحتواء جمهورهما من جهة، ولإرسال رسالة مزدوجة من جهة أخرى إلى الناخب اليهودي بأنهما لن يكرّرا تجربة الشراكة مع العرب، وإلى منصور عباس بأن مسار المشاركة في الائتلاف وصل إلى نهايته، وأن وجود القائمة الموحدة منفردة لا يضمن أي تغيير في الحكم، وربما سيُبقي نتنياهو. وبهذا، تكون النتيجة أن عودة الموحدة إلى حضن المشتركة باتت أقرب.

فشل التقارب بين لبيد–بينيت وعباس ليس نهاية الطريق، بل بدايته.
بل يجب أن تكون بداية تفكير جدي، وللمرة الأولى منذ سنوات، ليس فقط حول القائمة المشتركة فحسب، بل حول مجمل العلاقة مع الدولة وطرق العمل المطلوبة.

وإذا كانت العقلانية هي الأداة السياسية التي تتعامل بها القائمة الموحدة كما تدّعي، يصبح إقامة المشتركة هدفًا ناجزًا، بكونها الأداة الوحيدة القادرة على إحداث تغيير فعلي في ميزان القوى وإسقاط نتنياهو. وهذا هدف مشترك لكل الأحزاب العربية، ولا يمكن أن يتحقق إلا بوحدة كاملة بين جميع الأحزاب.

لكن هذه الفرصة، واستدامتها، تظلّ مشروطة بالمسؤولية، وبفهم التجارب السابقة التي طالبت بالاندماج والمشاركة ضمن تغافل وتصالح مع منظومة الهيمنة والقمع والفوقية الصهيونية التي لا تؤمن بالمساواة أو بالشراكة.

إضافةً إلى ما تقدم، يتطلب من الأحزاب فهمًا معمقًا للممكن الإسرائيلي السياسي تجاه العرب، وخاصة بعد الحرب، فهذا الممكن سيبقى محصورًا في دائرة السيطرة، بعيدًا عن مشاريع الشراكة، ما لم تتم مواجهة العنصرية والإقصاء والقيم الفاشية ببرنامج ديمقراطي أخلاقي، مساوٍ للجميع.

فوضوح الرؤية بين جميع الأحزاب، ومن خلال الاتفاق على برنامج سياسي واضح يوازن بين الهوية الوطنية والمواطنة المدنية، رافض للانجرار إلى لعبة المعسكرات والمساومات الصغيرة، هو الطريق لإقامة قائمة مشتركة، مستقلة القرار، متفقة وطنيًا، قادرة على تمثيل جمهورها بكرامة، وعلى فرض حضورها بندّية في أي معادلة سياسية قادمة.

نحن أمام لحظة تاريخية لجعل الصوت العربي مؤثرًا، ومركزيًا، ومستقلًا، دون التخلي عن ثوابتنا وقناعاتنا السياسية.

أحدث الاخبار